مستقبل الكتاب الإلكتروني

04 يوليه 2017 تكنولوجيا وتقنيات 3188 مشاهدة
مستقبل الكتاب الإلكتروني

تطرح اليوم في العالم العربي بشكل خاص جدلية حول الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني، وهل يستطيع أي منهم أن يزيل الآخر بموازاة التحديات التي تواجهها الصحف الورقية مقابل الصحف الإلكترونية؟ وإذا كان التحدي الأخير بين الصحف قد تحول في بعض التجارب إلى واقع عملي أغلقت معه بعض الصحف فإن ما يتعلق بالكتاب ما زال مجرد أحاديث فقط فلم تتحول أي من دور النشر حتى الآن من دار نشر تطبع الكتاب ورقيا إلى دار نشر إلكترونية فقط، على حد علمي على الأقل.

وما زال الكتاب الورقي يلقى رواجا كبيرا وتظهر في كل عام عشرات دور النشر الورقية في العالم وقلما سمعنا عن توقف دار نشر.. ولا أعتقد أن توقف «دار النهار» اللبنانية للنشر يعد مقياسا يمكن القياس عليه خاصة أن الدار بعد رحيل مؤسسها دخلت في الكثير من التعثرات المالية التي لا تبتعد عن السياسة أيضا.

لكن السؤال الذي أود أن أطرحه على نفسي أولا وللآخرين تاليا هو أين تكمن المشكلة؟ ما المشكلة في منافسة الكتاب الإلكتروني للكتاب الورقي؟ وما المشكلة في أن يتحول الكتاب الورقي إلى كتاب إلكتروني إذا كان العالم العربي فعلا يستطيع الآن أن يكون إلكترونيا؟ فالكتاب الإلكتروني أرخص والحصول عليه أسرع وأسهل.. وكل المميزات متوفرة إذا توفرت الرغبة والقدرة على القراءة الإلكترونية.. والحال نفسها مع الصحافة الإلكترونية والورقية.. رغم أنني لا أتخيل كيف يمكن أن تكون الحياة بلا ورق!!
لكن هل يمكن أن تقدم دار نشر عربية أو أجنبية على الدخول في مشروع إصدار الكتاب الإلكتروني إلا إن كانت واثقة أن هناك من سيقتنيه وأن هناك جدوى اقتصادية من نشره!!. تحدي المشاريع الحضارية والثقافية ليس على شكل الكتاب إذا كان ورقي أو إلكتروني ولكن على رغبة المواطن العربي وقدرته على اقتنائه وقراءته.
وإذا كان الكتاب الإلكتروني من شأنه أن يزيد مساحة القراءة ويدعم المشروع (إن كان ثمة مشروع أصلا) فلماذا لا يأخذ «الإلكتروني» مكانه دون التوقف كثيرا عند تخوفات عشاق الورق والمكتبات. وفي المشهد العام فإن الأشياء يمكن أن تتساير إلى جوار بعضها البعض كما تساير التلفزيون مع المذياع والتلفزيون مع السينما ومع المسرح.

التحدي اليوم إن كان فعلا هناك توجه جماعي نحو الكتاب الإلكتروني يكمن في رغبة دور النشر في نشر نسخة إلكترونية من كل كتاب تصدره ورقيا وهذا أمر غير مكلف أبدا لأن النسخة الإلكترونية موجودة بالفعل لدى كل دور النشر خاصة للكتب التي تصدر أو صدرت خلال العقدين الماضيين. المشكلة، ربما، التي ما تزال تخشاها دور النشر ولا حل واضح لها في العالم العربي هي مشكلة الحقوق، حقوق الطبع وحقوق التأليف الضائعة في فضاء القرصنة الذي بات سهلا وشائعا في العالم الإلكتروني والفضاءات المفتوحة. وإلا فإن دار الآداب البيروتية استطاعت وسريعا أن توجد نسخا إلكترونية من جميع أعداد مجلة الآداب منذ عددها الورقي الأول الصادر نهاية خمسينات القرن الماضي إلى أن توقفت المجلة عن الصدور الورقي وعادت اليوم تصدر إلكترونيا.
الكتاب الإلكتروني غير موجود اليوم إلا عبر النسخ المقرصنة.. ورغم أن هذه القرصنة مرضي عنها عند جماهير القراء لأنها توفر الكتاب بالمجان وتسهل اقتناءه وتنهي عبارة «كتاب مفقود» وتوفر الكتاب للجميع إلا أنها قانونيا وعمليا تبقى قرصنة وتبقى الحقوق معها ضائعة، وتبقي حضور الكتاب الإلكتروني خجولا وسري ومتابع قانونيا كما حدث مع الكثير من الشركات والمواقع العالمية التي كانت توفر الكتاب الإلكتروني المقرصن ودخلت في سجالات وقضايا قانونية توقفت بعدها.
لكن هل غلاء سعر الكتاب الورقي يدفع البعض للتوجه للكتاب الإلكتروني كما نسمع صراخ الكثيرين من ارتفاع قيمة الكتاب الورقي.. تقرير التنمية الثقافية الذي تصدره مؤسسة الفكر العربي يصل إلى حقيقة مفادها أن الذين يتراوح متوسط دخلهم الشهري ما بين 201 ـ 400 دولار يفضلون الكتاب المطبوع، أما الذين هم فئة الدخل 301 ـ 930 دولارا فيفضلون الكتاب الرقمي. والأجيال الشابة تفضل الكتاب الإلكتروني. وتبدو وسيلة قراءة الكتاب الإلكتروني متوفرة اليوم مع شريحة كبيرة من الأجيال الشابة في العالم العربي عبر الهواتف الذكية وعبر الآيباد..

http://planetasmi.ru/media/k2/items/cache/12e91eda032f823995b75ac203817e36_XL.jpg

 ولا شك أن الكتاب الإلكتروني يمكن أن يجد لنفسه المساحة الكبيرة والقابلة للنقاش فيما لو توفرت البنية الأساسية الإلكترونية في العالم العربي وتوفرت الإمكانيات الفنية التي تتيح وصول الكتاب إلى طالبيه.. وقبل كل ذلك توفر التعليم الذي ينهي الأمية بمستوياتها الأبجدية والتقنية.
الكتاب الإلكتروني اليوم نادر جدا في العالم العربي، لا يحضر في معارض الكتاب الورقي، ولا يحضر في معارض خاصة به.. وقلة من دور النشر تتواجد لها مكتبات إلكترونية. الموجود اليوم في المشهد مجرد كتب مقرصنة تم تصويرها من كتب ورقية وتحولت إلى كتب إلكترونية غير موثوقة تماما وضاعت معها الكثير من حقوق التأليف والنشر.

وفي اعتقادي أن دور النشر لها دور مهم في قلة الكتاب الإلكتروني لأن سعره أقل بكثير من سعر الورقي ولأنه ينهي عصر الطباعة، وينهي عصر التوزيع وينهي عصر معارض الكتب.. الكتاب الإلكتروني من شأنه أن ينهي الكثير من الإمبراطورات المالية في عالم النشر وهذا ما لا يريده الكثيرون.

وفي الحقيقة الواقع العربي لا ينبئ بأن الكتاب الورقي يمكن أن يتزعزع عن مكانته خلال خمسين سنة قادمة أبدا. أما الإرهاصات التي تطرح اليوم فهي مستوردة من العالم الغربي حيث أخذ الكتاب الإلكتروني مكانته الحقيقية وبات محميا من القرصنة لكنه في جميع الأحوال لم يلغ أيضا الكتاب الورقي ولم يلغ معارض الكتب في فرانكفورت وفي لندن وفي باريس وفي نيويورك وفي طوكيو وغيرها من مدن صناعة الكتاب والمعرفة في العالم.

 

أضف تعليقك